فضل قيام الليل
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين
يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له. من يسألني فأعطيه. من
يستغفرني فأغفر له) رواه الجماعة.
اعلم - رحمك الله-
أن في الليل ساعات لإجابة الدعاء ولذة المناجاة. فمن صلى بالليل حسن عمله
بالنهار. وصلاة الليل تجوز في أول الليل ووسطه وآخره ما دامت الصلاة بعد
صلاة العشاء. ولكن الأفضل تأخيرها إلى الثلث الأخير. فأقرب ما يكون العبد
من ربه في جوف الليل الأخير. فإن استطعت أن تكون ممن يذكرون الله تعالى في
تلك الساعة فكن. ولقد مدح الله أقواماً تجافت جنوبهم عن المضاجع يدعونه
خوفاً وطمعاً. أخفوا لله عملاً بالليل فأخفى الله لهم الجزاء والثواب في
يوم تشيب فيه الولدان. مدحهم وأثنى عليهم وبين جزاءهم فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا
يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا
وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 15-17].
ولقد أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالتهجد بالليل فقال سبحانه: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
﴾ [الإسراء: 79] فاستجاب الرسول الكريم لهذا الأمر فقام الليل حتى تفطرت
قدماه ورق لحاله قلب عائشة رضي الله عنها فكانت تقول له: يا رسول الله هون
على نفسك. لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فيرد عليها - صلى
الله عليه وسلم - بقوله (أفلا أكون عبداً شكوراً).
وحين دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
المدينة أخذ يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق وإلى الصلاة بالليل والناس
نيام. قال صلوات الله وسلامه عليه (يأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا
الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه
الحاكم وابن ماجة والترمذي. فمن أراد أن يدخل الجنة آمناً من عذاب الله يوم
القيامة فعليه أن يدرب نفسه على هذه الخصال الحميدة التي نادى بها رسول
الله - صلى الله عليه وسلم.
وقد أثنى الله على أقوام حافظوا على قيام الليل وبين أنهم المحسنون المستحقون لرحمته. فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 15- 18] وتارة يبين أنهم من عباده الأبرار حيث يقول سبحانه: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا
﴾ [الفرقان: 63-64] فلم يشغلهم النوم عن السجود والقيام لله تعالى لينالوا
ما أعد الله لهم من الجزاء الأوفى والنعيم المقيم يوم القيامة.
فمن أراد أن ينال الشرف عند الله فعليه
بركعات في جوف الليل. فإن أفضل الصلوات بعد المكتوبة ما كانت في جوف الليل
الأخير، وأفضل الدعاء ما كان في جوف الليل الغابر.
ولقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يفرحون بالليل لخلوتهم بربهم. فكانوا إذا هدأت العيون ونامت الجفون
يسمع عند بيوتهم دوي كدوي النحل فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: لولا
ثلاثة ما وددت أن أعيش في الدنيا ساعة: الظمأ بالهواجر، والسجود في جوف
الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما تنتقى أطايب الثمر.
وهناك آداب لمن أراد أن يحظى بشرف قيام الليل:
1-
أن ينوي نية صادقة عند نومه أن يصلي بالليل. فمن فعل ذلك وغلبه النوم كتب
الله له ما نوى. فعن أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من
أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم ليصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب الله
له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه) رواه النسائي وابن ماجة بسند صحيح.
2- أن
يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ ويتسوك وينظر في السماء ثم يدعو بما جاء
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا إله إلا أنت سبحانك، أستغفرك
لذنبي، وأسألك رحمتك. اللهم زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي
من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه
النشور. ثم يقرأ الآيات العشر من سورة آل عمران: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب
﴾ إلى آخر السورة. ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن
فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن أنت الحق، ووعدك الحق،
ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك
حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الله لا إله
إلا أنت).
3- يفتتح
صلاة الليل بركعتين خفيفتين. فعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين) رواه
مسلم. ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك في صلاة الليل.
4-
أن يوقظ أهله حتى تحظى بهذا الفضل. فطوبى لرجل أعان زوجته على الصلاة
بالليل. وطوبى لزوجة أعانت زوجها على السجود في جوف الليل. فعن أبي هريرة
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رحم الله أمرأ قام من الليل
فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من
الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء. وإذا قاما وصليا
ركعتين معاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) رواه أبو داود بإسناد
صحيح.
ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يتفقد صحابته بالليل ليرى من يحظى بشرف قيام الليل. فلقد طرق باب فاطمة
ليلاً وقال: ألا تصليان؟ قالت: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله إن شاء أن
يبعثنا بعثنا. فانصرف وهو يقول: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].
5. أن يترك الصلاة ويرقد إذا غلبه النعاس حتى يذهب عنه النوم. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن
على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع) رواه مسلم. وعن أنس أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - دخل المسجد فوجد حبلاً ممدوداً بين ساريتين فقال: ما هذا
قالوا: لزينب تصلي. إذا كسلت أو فترت أمسكت به. فقال: حلوه. ليصل أحدكم
نشاطه. فإذا كسل أو فتر فليرقد) متفق عليه.
6. أن لا يشق على نفسه بل يقوم من الليل بقدر طاقته ويداوم على ذلك. فخير الأعمال أدومها وإن قلت. فعن عائشة قالت:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (خذوا من الأعمال ما تطيقون. فو الله لا يمل الله حتى تملوا) رواه البخاري ومسلم.
وبعد،،
فيأيها المسلم لا تفوتك ركعات في جوف
الليل. واحرص دائما على الدعاء والتوبة والإنابة في هذا الوقت الطيب حتى
تسعد بلذة المناجاة في وقت السحر. واغتنم التجارة الرابحة بتلاوة القرآن
آناء الليل وأطراف النهار حتى تسعد بشفاعة القرآن يوم القيامة. واعلم أن من
الأسباب المسهلة لقيام الليل قلة المأكل والمشرب، فمن أكل كثيراً نام
كثيراً وفاته خير كثير- والاستعانة بالقيلولة بالنهار، وكذلك ترك الذنوب
والمعاصي- فإن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل - ثم النوم مبكراً،
فلا خير في ليلة لم يتزود فيها المسلم من طاعة الله ولا خير في يوم لم
يتزود فيه المسلم من تقوى الله.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه. وجمعنا في الفردوس الأعلى بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب. إنه نعم المولى ونعم النصير.
المصدر: مجلة التوحيد، عدد 1404 رمضان هـ، صفحة 26.
إرسال تعليق