يحرم الاستنجاء بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة.
روي عن سلمان (رضي الله عنه): “نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم” (رواه مسلم)، والرجيع هو الروث والعذرة سمي رجيعا لأنه يرجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا.
وروي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم): “أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن”، قال: فانطلق
بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: “لكم كل عظم ذكر اسم
الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم. فقال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم”
(رواه مسلم)، ولما كان الروث هو طعام دواب الجن كان طعامنا وطعام دوابنا
أولى بالمنع.
بيان علل النهي:
1- الحديث السابق بيّن أن النهي عن الاستنجاء بهما لكون العظم من طعام الجن والروث من طعام دوابهم فلا نفسده عليهم.
2- عن أبي هريرة (رضي اله عنه)، قال: “إن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن يستنجى برجيع أو عظم، وقال: “إنهما لا تطهران”. قال الدارقطني: “إسناد صحيح”.
قال الشيخ العثيمين في (الشرح الممتع 1/ 134): “قوله: “غيرَ عظمٍ وروثٍ” هذا شرط عدمي وهو الشَّرط الرَّابع، لأنَّ كلمة “غير” تدلُّ على النَّفي.
والدَّليل على ذلك أن النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) نهى أن يُستنجَى بالعظم أو الروث، كما في حديث ابن مسعود، وأبي هريرة، وسلمان ورويفع وغيرهم رضي الله عنهم.
والتَّعليل: أنه إن كان العَظْمُ عظمَ مُذَكَّاة، فقد بَيَّنَ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) أنَّ هذا العظم يكون طعاماً للجِنِّ؛ لأنه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) قال لهم: “لكم كلُّ عظم ذُكِرَ اسمُ الله عليه، يقع في أيديكم أوفَرَ ما يكونُ لحماً”، ولا يجوز تنجيسه على الجِنِّ، وإن كان عظم ميتة فهو نجس فلا يكون مطهِّراً.
والرَّوث: نستدلُّ له بما استدللنا به للعظم.
وأما العِلَّة فإن كان طاهراً فهو عَلَفُ بهائم الجِنِّ؛ وإن كان نجساً لم يصلح أن يكون مطهِّراً.
قوله: “وطعامٍ” يعني: طعام بني آدم، وطعام بهائمهم، فلا يصحُّ الاستنجاء بهما. والدَّليل: أن الرَّسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) نهى أن يُستنجيَ بالعظم، والرَّوث، لأنَّهما طعام الجِنِّ، ودوابهم. والإنس أفضل، فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم وطعام بهائمهم من باب أَوْلى. كما أن فيه محذوراً آخر، وهو الكفر بالنِّعمة؛ لأن الله تعالى خلقها للأكل؛ ولم يخلقها لأجل أن تُمتهن هذا الامتهان. فكُلُّ طعام لبني آدم، أو بهائمهم، فإنَّه حرام أن يُستَجْمَرَ به. وظاهر كلام المؤلِّف: ولو كان فَضْلَةَ طعام ككِسْرَةِ الخُبز … ).
من استنجى بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء.
والصحيح أنه إن استجمر بما ذكر يأثم ولكن لا يتعين الماء بعده، ويجزئه الاستجمار بطاهر مباح منق ويطهر المحل، وإليك حالات هذه المسألة: فالمستنجى به قد يكون نجساً، وقد يكون لا ينقي، وقد يجتمعا، وقد يكون طاهراً وينقي.
الحالة الأولى أن يكون المستنجى به نجساً كروث الحمار الأهلي:
قال في المغني (1/ 11044): “إن استنجى بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج، فلم يجزئ فيها غير الماء، كما لو تنجس ابتداء، ويحتمل أن يجزئه، لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل، فزالت بزوالها”.
والوجه الأول الذي ذكره ابن قدامة راجع إلى القول بتخصيص الماء لإزالة النجاسة، والراجح أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة وأن النجاسة لو زالت بأي مزيل أو بنفسها فقد حصل مقصود الشرع وطَهُرَ المحل والدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) في النعل الذي به أذى “ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور”، ومنها: قوله في الذيل: “يطهره ما بعده” ومنها قوله في الهر: “إنها من الطوافين عليكم والطوافات” مع أن الهر في العادة يأكل الفأر ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء بل طهورها ريقها. (مجموع الفتاوى 21/ 474).
وعليه فالراجح في هذه الحالة هو الوجه الثاني من أنه يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل ولم تتعد المحل المعتاد، فزالت بزوالها بالاستجمار.
الحالة الثانية أن يكون المستنجى به لا ينقى كعظم المذكاة أو الروث:
إرسال تعليق