0

يحرم الاستنجاء بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة.

روي عن سلمان (رضي الله عنه): “نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم” (رواه مسلم)، والرجيع هو الروث والعذرة سمي رجيعا لأنه يرجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا.

وروي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن”، قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: “لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم” (رواه مسلم)، ولما كان الروث هو طعام دواب الجن كان طعامنا وطعام دوابنا أولى بالمنع.
روي عن أنس (رضي الله عنه) أنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ.” (رواه الشيخان)

بيان علل النهي:

1- الحديث السابق بيّن أن النهي عن الاستنجاء بهما لكون العظم من طعام الجن والروث من طعام دوابهم فلا نفسده عليهم.

2- عن أبي هريرة (رضي اله عنه)، قال: “إن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن يستنجى برجيع أو عظم، وقال: “إنهما لا تطهران”. قال الدارقطني: “إسناد صحيح”.

قال الشيخ العثيمين في (الشرح الممتع 1/ 134): “قوله: “غيرَ عظمٍ وروثٍ” هذا شرط عدمي وهو الشَّرط الرَّابع، لأنَّ كلمة “غير” تدلُّ على النَّفي.

والدَّليل على ذلك أن النبيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) نهى أن يُستنجَى بالعظم أو الروث، كما في حديث ابن مسعود، وأبي هريرة، وسلمان ورويفع وغيرهم رضي الله عنهم.

والتَّعليل: أنه إن كان العَظْمُ عظمَ مُذَكَّاة، فقد بَيَّنَ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) أنَّ هذا العظم يكون طعاماً للجِنِّ؛ لأنه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) قال لهم: “لكم كلُّ عظم ذُكِرَ اسمُ الله عليه، يقع في أيديكم أوفَرَ ما يكونُ لحماً”، ولا يجوز تنجيسه على الجِنِّ، وإن كان عظم ميتة فهو نجس فلا يكون مطهِّراً.

والرَّوث: نستدلُّ له بما استدللنا به للعظم.

وأما العِلَّة فإن كان طاهراً فهو عَلَفُ بهائم الجِنِّ؛ وإن كان نجساً لم يصلح أن يكون مطهِّراً.

قوله: “وطعامٍ” يعني: طعام بني آدم، وطعام بهائمهم، فلا يصحُّ الاستنجاء بهما. والدَّليل: أن الرَّسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) نهى أن يُستنجيَ بالعظم، والرَّوث، لأنَّهما طعام الجِنِّ، ودوابهم. والإنس أفضل، فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم وطعام بهائمهم من باب أَوْلى. كما أن فيه محذوراً آخر، وهو الكفر بالنِّعمة؛ لأن الله تعالى خلقها للأكل؛ ولم يخلقها لأجل أن تُمتهن هذا الامتهان. فكُلُّ طعام لبني آدم، أو بهائمهم، فإنَّه حرام أن يُستَجْمَرَ به. وظاهر كلام المؤلِّف: ولو كان فَضْلَةَ طعام ككِسْرَةِ الخُبز … ).

من استنجى بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء.

والصحيح أنه إن استجمر بما ذكر يأثم ولكن لا يتعين الماء بعده، ويجزئه الاستجمار بطاهر مباح منق ويطهر المحل، وإليك حالات هذه المسألة: فالمستنجى به قد يكون نجساً، وقد يكون لا ينقي، وقد يجتمعا، وقد يكون طاهراً وينقي.

  • الحالة الأولى أن يكون المستنجى به نجساً كروث الحمار الأهلي:

قال في المغني (1/ 11044): “إن استنجى بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج، فلم يجزئ فيها غير الماء، كما لو تنجس ابتداء، ويحتمل أن يجزئه، لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل، فزالت بزوالها”.

والوجه الأول الذي ذكره ابن قدامة راجع إلى القول بتخصيص الماء لإزالة النجاسة، والراجح أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة وأن النجاسة لو زالت بأي مزيل أو بنفسها فقد حصل مقصود الشرع وطَهُرَ المحل والدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) في النعل الذي به أذى “ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور”، ومنها: قوله في الذيل: “يطهره ما بعده” ومنها قوله في الهر: “إنها من الطوافين عليكم والطوافات” مع أن الهر في العادة يأكل الفأر ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء بل طهورها ريقها. (مجموع الفتاوى 21/ 474).

وعليه فالراجح في هذه الحالة هو الوجه الثاني من أنه يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل ولم تتعد المحل المعتاد، فزالت بزوالها بالاستجمار.

  • الحالة الثانية أن يكون المستنجى به لا ينقى كعظم المذكاة أو الروث:

وقد سبق ترجيح أن عظم الميتة طاهر وكذا روث مأكول اللحم طاهر، ولذلك فإنهما لا ينجسان المحل، ولكن لما ورد في الحديث أنهما لا يطهران، قلناً بجواز الاستجمار بعدهما، كالحالة الأولى بل الحكم هنا أولى لعدم وجود النجاسة.

يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى، وإذا خرج قدم اليمنى.

والقاعدة في هذه المسألة أن كل ما كان من باب التكريم والتزين فاليمين أحق بالتقديم فيه واليسرى فيما عداه والأدلة العامة شاهدة على طرد هذا الأصل. ولم يثبت في مسألتنا حديث بعينه وإنما هي أحاديث عامة في التيامن كقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) في الحديث المتفق عليه: “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعجبه التيمن، في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله.”، وأقرب الأدلة ما رواه الحاكم وحسنه الألباني عن أنس ( رضي الله عنه) أنه قال: “من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى”، ويقاس عليه الدخول الخلاء بقياس العكس.

يسن لداخل الخلاء قول: “بسم الله أعوذ بالله من الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ”.

والدليل على ذلك ما روي عن أنس (رضي الله عنه) أنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ.” (رواه الشيخان)

يسن للخارج من الخلاء قول: “غفرانك” “الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني”.

روى أصحاب السنن بإسناد حسن عن عائشة (رضي الله عنها)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا خرج من الغائط قال: “غفرانك”.

___________________________

المصدر: كتاب التحرير شرح الدليل – كتاب الطهارة لأبو المنذر المنياوي.

إرسال تعليق

 
Top