0

الحمد لله حقَّ حمده، والشكر له على متواصل مدده وجميل رفده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، وعلى كل من سلك سبيله مستقيمًا على اتِّباع سنَّته وحبِّه.

أما بعد، فيا أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها نِعم الجاه يوم حشر الناس، فإن أهلها عند الله هم أكرم الناس، كيف لا وهي المُنجِيَة من النار، والمورثة لأهلها الجنان مع الأخيار؟

عباد الله:
كل يوم يستيقظ فيه المرء آخِر ليله، معافًى في بدنه، سليمًا في عقله، مُتمتَّعًا بحواسه وجوارحه، آمنًا في سربه، عنده قُوت يومه، فقد أسبغ الله عليه النِّعَم، ونوَّع له ألوان الجود والكرم؛ فيحتاج المكلَّف أن يقابل ذلك بأمرَين:
أحدهما: أن يعترف لله تعالى بإنعامه وفضله، وأن يبتهل إلى الله تعالى ويستعينه على أداء حقِّه؛ استدامةً لنعمته وفضله.

الثاني: المُجاهَدة على اغتنامه فيما خلق له من طاعة الله وذِكره، وترْك مخالفته، مع الاستغفار والتوبة النصوح من التقصير في حقه.

قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، وقال -جل ذكره-: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

أيها المسلمون:
لقد كان من هدْي نبيِّكم -صلى الله عليه وسلم- أنه كلما استيقظ من منامِه آخِر ليله، لهَج بذكْر ربه، شاكرًا لأنعمه، مستعينًا به على طاعته وذكْرِه، سائلاً إياه العِصمة من التقصير في حقِّه، فكان -صلى الله عليه وسلم- أول ما يستيقظ يقول: ((الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))، ((الحمد لله الذي ردَّ عليَّ روحي، وعافاني في بدني، وأَذِنَ لي بذكْره، اللهم أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم ربي زدْني عِلمًا، ولا تُزغْ قلبي بعد إذ هديتني، وهبْ لي من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب))، ويُخبر -صلى الله عليه وسلم- أنَّ من قال ذلك قُضِيتْ حاجته، قال: ((فإن استغفر غُفر له، وإن توضَّأ وصلى قُبلت صلاته)).

معشر المسلمين:
وكان من سنَّته وهديه -صلى الله عليه وسلم- إرشادُ المؤمنين بقوله وفعله إلى ما يتحقَّق به شكر نِعم الله المتجدِّدة صباح مساء، فكان -صلى الله عليه وسلم- إذا أصبح قال: ((اللهم إني أصبحتُ في نعمةٍ منك وعافية وسِتر، اللهم لك الحمد والشكر، اللهم فأَتمِم عليَّ نعمتَك وعافيتك وسترَك في الدنيا والآخِرة))، وإذا أمسى قال: ((اللهم إني أمسيتُ في نعمة منك)) ...إلخ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال حين يُصبح: اللهم ما أصبَح بي من نعمة وعافية أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فقد أدَّى شُكر يومه، وإذا قال ذلك حين يُمسي، أدَّى شُكر ليلته)).

معشر المسلمين:
ولقد نبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنَّ بدن ابن آدمَ مركبٌ من ثلاثمائة وستين مَفصِلاً، كل مَفصِل يُصبِح معافًى يَحتاج إلى شكر لله تعالى على عافيته، فالمُعافى من الناس مُستمتِع بثلاثمائة وستين نِعمة، يحتاج إلى شكر بعدد تلك النِّعم؛ من تسبيح، أو تحميد، أو تهليل، أو تكبير، أو استغفار، أو عمل بدنيٍّ قاصر على النفس كالصلاة، أو مُتعدٍّ إلى غيره كالصدقات وأنواع الإحسان أو الإصلاح، ونحو ذلك مما يتحقَّق به شكر المُنعِم وحِفْظ واستِدامة النعم، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)).

أيها المؤمنون:
ومما أرشد إليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مما تُشكَر به النِّعم اليومية المتجدِّدة أن يلزم العبدُ أفضلَ أنواع الاستغفار وأكملَه، وأنه ضمانة للجنَّة وأمَنةٌ من النار؛ لما تضمَّنه من الاعتراف لله تعالى بنعمته، والإقرار بالعجز عن أدائها إلا بحول الله وقوته، وجبر هذا التقصير بالاستغفار لله تعالى طمعًا في مغفرته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((سيد الاستغفار -أي: أكمله وأشرفه- أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقْتَني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت - من قاله حين يُصبح موقنًا به فمات من يومه، دخل الجنة، ومن قاله حين يُمسي موقنًا به فمات من ليلته، دخل الجنة)).

معشر المؤمنين:
ولقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- في عدة أحاديثَ صحيحةٍ مَن طلَب منه -صلى الله عليه وسلم- أن يدلَّه على عمل يُدخله الجنة ويُباعده من النار - إلى ما خلاصته أن يغتنم العبد يومه الجديد بإقام الصلوات المكتوبة، وأداء الزكاة المفروضة، وصوم رمضان، وصِلة الرحم، وأن يكفَّ المرء أذاه عن الناس فيَسلموا من لسانه ويده وغوائله، وأن يُخالِق الناس بخُلق حسن؛ فيأتي إلى الناس ما يُحب أن يَأتوه إليه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.


إرسال تعليق

 
Top