0

من المعروف أن فصل الشتاء من فصول العام التي تنخفض فيها درجات الحرارة إلى أقل مستوياتها ويسّير الله عز وجل بقدرته الرياح التي تسوق السحب فتسقط أمطاراً وأحيانا برداً وثلوجاً في بعض المناطق على الأرض. ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل مع زيادة البرودة ومشقة العبادة في فصل الشتاء، زيادة في الأجر والثواب. وفيما يلي بعض أحكام الطهارة في الشتاء من كتاب “أحكام الشتاء” للشيخ محمد الحمود النجدي.

أولاً: ماء المطر

ماء المطر النازل من السماء، ماء طهور، والدليل على ذلك قوله عز وجل: “وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً” (الفرقان :48).

والماء الطهور: هو الطاهر في نفسه، المطهر لغيره، فماء المطر من المياه المطلقة، التي يصح أن يتطهر بها الإنسان في وضوء أو غسل جنابة، أو غسل حيض، أو في غسل نجاسة، لأن الله تبارك وتعالى وصفه بأنه طهور.

ثانيا: حكم طين الشارع

تفريع على ذلك: عند نزول المطر من السماء، يكثر الطين، وقد يصيب ثياب الإنسان شيء من طين الشارع أو السّكة، فما حكم ذلك؟

الجواب: حكمه الطهارة، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يجب عليك غسل هذا الطين، لأن الأصل فيه كما قلنا الطهارة.

ثالثا: الوضوء في البرد

الوضوء في البرد من الكفارات للسيئات، إذا احتسب المسلم ما يلقاه من شدة وبرد، لما ورد في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المسجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط”.

وإسباغ الوضوء: هو إتمامه وإكماله، أي غسل الأعضاء غسلاً كاملاً، ثلاث مرات، مع تحمل شدة البرد، لأن البرد الشديد قد يمنع الإنسان من إسباغ الوضوء، وبعض الناس في أيام البرد، يتساهلون في غسل الأعضاء في أيام البرد؟! فضلاً عن إسباغ الوضوء.

وهذا لاشك انه حرام، فالمسلم الذي لا يغسل أعضاء الوضوء غسلاً جيداً، متوعدٌ بالنار، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أدرك الصحابة وهم يغسلون أرجلهم غسلاً خفيفاً، فقال: “ويل للأعقاب من النار” (متفق عليه من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما).

وفي رواية الإمام أحمد: “ويلٌ للأعقاب وبطون الأقدام من النار”.

بمعنى أن العضو الذي لا يغسله صاحبه عند الوضوء جيداً، ولا يعتني به، يعذب بالنار يوم القيامة، نسأل الله السلامة.

رابعاً: تنشيف الأعضاء

الأمر الرابع في الطهارة: أن بعض الناس يتحرجون من تنشيف أعضائهم في البرد أو في غيره، إما لأنه اعتاد على عدم التنشيف في الحر، وإما أنه يظن أن ذلك لا يجوز، أو أنه مكروه؟!

وليس ذلك أصل في السنة النبوية ألبتة!

بل ثبت عند الحاكم وغيره: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة، يتنشف بها بعد الوضوء”.

وهذا يدل على عموم الأوقات، دون تخصيصه بصيف أو شتاء. أما ما في صحيح البخاري: من حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها في غسل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه انها قالت: ثم أتيته بالمنديل، فرده.

فهذا لا يستدل به على كراهة التنشيف بعد الغسل أو الوضوء، إذ لا حجة فيه، لأنه واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم أخذه للمنديل لأمر آخر، لا يتعلق بكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه صلى الله عليه وسلم كان مستعجلاً، أو أراد التبرد، أو غير ذلك.

بل قال بعض العلماء: في هذا الحديث دليل على أنه كان يتنشف بعد الغسل، ولولا ذلك، لم تأته ميمونة رضي الله عنها بالمنديل، فكون النبي صلى الله عليه وسلم رد الخرقة، لا يعني عدم جواز التنشيف بالمنشفة، أو ما أشبهها، لأن ذلك كما قال أهل العلم، واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال.

___________________________________

المصدر: كتاب أحكام الشتاء للشيخ محمد الحمود النجدي.

إرسال تعليق

 
Top