الصلاة لها شأن انفردت به على سائر الأعمال الصالحة، منها:
1 – سمى الله الصلاة إيمانًا بقوله تعالى: “وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ”. ( البقرة / الآية 143)، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأن الصلاة تصدِّقُ عَمَلهُ وقَوْلَهُ. (شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 87 – 91)
2 – خصها بالذكر تمييزًا لها من بين شرائع الإسلام، قال الله تعالى: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ…” (العنكبوت / الآية 45)، وتلاوته اتباعه والعمل بما فيه من جميع شرائع الدين، ثم قال: “وَأَقِمِ الصَّلاةَ…”، فخصها بالذكر تمييزًا لها، وقوله تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ…” (الأنبياء / الآية 73). خصها بالذكر مع دخولها في جميع الخيرات، وغير ذلك كثير.
3 – قُرِنَت في القرآن الكريم بكثير من العبادات، ومن ذلك قوله تعالى: “وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ.” (البقرة / الآية 43). وقال: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ.” (الكوثر / الآية2). وقال: “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ.” (الأنعام / الآية 162)، وغير ذلك كثير.
4 – أمر الله نبيه – صلى الله عليه وسلم- أن يصطبر عليها، فقال:
“وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ
رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ…” (طه / الآية 132) مع أنه (صلى الله عليه
وسلم) مأمور بالاصطبار على جميع العبادات؛ لقوله تعالى: “وَاصْطَبِرْ
لِعِبَادَتِهِ…”(مريم / الآية 65).
5 – أوجبها الله على كل حال، ولم يعذر بها مريضًا، ولا خائفًا، ولا
مسافرًا، ولا غير ذلك؛ بل وقع التخفيف تارة في شروطها، وتارة في عددها،
وتارة في أفعالها، ولم تسقط مع ثبات العقل.
6 – اشترط الله لها أكمل الأحوال: من الطهارة، والزينة باللباس، واستقبال القبلة مما لم يشترط في غيرها.
7 – استعمل فيها جميع أعضاء الإنسان: من القلب، واللسان، والجوارح، وليس ذلك لغيرها.
8 – نهى أن يشتغل فيها بغيرها، حتى بالخطرة، واللفظة، والفكرة.
9 – هي دين الله الذي يدين به أهل السموات والأرض، وهي مفتاح شرائع الأنبياء، ولم يُبْعَث نبيٌّ إلا بالصلاة.
10 – قُرنت بالتصديق بقوله: “فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى. وَلَكِن كَذَّبَ
وَتَوَلَّى.” (القيامة / الآيتان 31-32)، وخصائص الصلاة كثيرة جدًّا لا
تقاس بغيرها. (شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 2/ 87 – 91، والشرح
الممتع لابن عثيمين، 2/ 87).
ومن خصائصها أيضًا: كونها من أول ما شرع بعد التوحيد، وبعد تثبيت العقيدة جاء الأمر بالصلاة.
ثانياً: أن جميع عبادات الإسلام كلها شرعت والنبي (صلى الله عليه وسلم)
في الأرض يتلقى تشريعها من الله عن طريق الوحي إلا الصلاة؛ فإن الصلاة لما
أراد الله أن يشرعها أسرى بنبيه (صلى الله عليه وسلم)، وما ذاك إلا لعظمها
ولجلالة قدرها، قال عز وجل: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ.” (الإسراء / الآية1)، أسرى الله برسوله من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى السماء حتى بلغ سدرة
المنتهى.
ثم شرع الله له الصلاة وأمره بها وفرضها خمسين صلاة، بمعنى: أنها لو
بقيت على الفرض الذي فرضه الله لكنا مأمورين أن نصلي في كل (نصف ساعة)
صلاة، ولكن بفضل الله ورحمته وبشفقة هذا النبي (صلوات الله وسلامه عليه)
طلب من ربه التخفيف، بعد أن شاور موسى وأخبره وقال: “إن الله قد فرض عليَّ
خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجع فخفف الله خمساً ثم
خمساً ثم خمساً حتى بقيت خمساً، وخفف خمساً وأربعين صلاة؛ فلما وصل إلى
موسى قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: يا موسى! قد سألت حتى استحييت
من ربي، قال الله عز وجل: إني قضيت وقضائي لا يرد هي خمسٌ في العدد وخمسون
في الأجر”.
اللهم لك الحمد يا ربي، أي: كان المنطق أنه إذا خفف خمسًا وأربعين أو
بقى خمسًا رحمة من الله يعطينا أجر الخمس وكَثُرَ خير الله وطاب، ولكن الله
عز وجل كريم فقد حذف خمساً وأربعين وجعل ثوابها قائماً مع ثواب الخمس
وأصبح لك مع الخمس خمسين صلاة، كأنك إذا صليت خمس صلوات تصلي خمسين صلاة.
ففرضها الله عز وجل في السماء وهي خاصية لها تميزت بها عن جميع شرائع الإسلام.
__________________
المصدر: 1- كتاب منزلة الصلاة للشيخ سعد بن وهف القحطاني.
إرسال تعليق