تأتي الصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كل منكر، فعندما يقف المسلم بين
يدي ربه خاشعا، راكعا وساجدا، يرتبط بخالقه، فتسمو نفسه، ويشعر بعلو
مكانته، فيبتعد عما يغضب خالقه، حيث استقر في نفسه مراقبة الله، فكلما
حدثته نفسه بالسوء تذكر نعم الله عليه، فالله سبحانه هو الذي أحسن إليه
بنعمة الوجود، فلا تطاوعه نفسه بفعل المعاصي.
ويقرأ في الصلاة القرآن، ويتأمل الآيات، ويتدبر المعاني، فترد آيات
العذاب، وأن الله شديد العقاب، فترتعد نفسه، وتلتفت عن غيها، فإذا تمكن من
نفسه الخوف من الله، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر … وترد آيات الرحمة
والنعيم والجنات، فتهفو نفسه إلى نيل الدرجات، والفوز بالجنات، فتزداد
خشيته لله، فيتقي عذابه، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه، بالتواضع لأوامره
واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”. (العنكبوت: 54)
ولعل السر في كثرة المصلين، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم، هو أنهم لم
يؤدوها إلا بهيئتها فقط، من قيام وركوع وسجود، ودعاء وتسبيح، وتكبير
وتحميد، ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور، وهكذا يتفاوت المصلون في
الأجر والثواب وفي مدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله، مع أن الأعمال التي
يؤدونها في الصلاة واحدة، مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها،
وبقدر حضور القلب تكون إقامتها، ويكون أثرها ومدى انعكاسه على سلوك صاحبها.
جاء في الأثر: “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له”، انظر
إلى حال المنافقين الذين يودون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ورغم ذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى: “إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ
وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ
سَبِيلاً.” (النساء: 142-143)
إرسال تعليق