الابتسامة سنة نبوية ووسيلة دعوية
كتبه/ أحمد السيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق من صوت اللسان وكأني بها تقول عن صاحبها:
إني أحبك، إني سعيد ومسرور برؤيتك، فالوجه هو عنوان الداعية،
والمرآة التي تعكس نفسيته وأعماقه؛
فإن كان متجهما أوحى بالضيق والتجهم، وإن كان طلقا مبتسما أوحى بالبشر والخير.
والابتسامة هي انفراج أسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس؛ تحرك الوجدان وتشرق على الوجه كوهج البرق، حتى ليكاد الوجه يتحدث بنداء وهواتف تلتقطها القلوب فتنجذب الأرواح فتأتلف بسبب ذلك.
فالداعية لابد أن يتذوق طعم الابتسامة
الصادقة، ويدرك أثرها العظيم، فكلما أخلص فيها النية حفرت في الصخر وأنبتت
في الصحراء، وأظهرت خير أمة أخرجت للناس، وكانت من صفة النبي -صلى الله
عليه وسلم- كما يقول أصحاب السير: أنه كان بسـّام المحيا، كيف لا يكون وهو
القائل: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وهذه صدقة لا تكلفك دينارًا ولا درهمًا، وكنز لو عرفت كيفية استخدامه، لأسرت القلوب، ولفتحت النفوس ثم سكبت من دواء الدعوة الراشدة والإيمان ما غيرت به وجه الكون.
وهذه صدقة لا تكلفك دينارًا ولا درهمًا، وكنز لو عرفت كيفية استخدامه، لأسرت القلوب، ولفتحت النفوس ثم سكبت من دواء الدعوة الراشدة والإيمان ما غيرت به وجه الكون.
وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: (غزونا
مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نبتدر
الماء وكان الأعراب يسبقونا إليه فسبق أعرابي أصحابه فيسبق الأعرابي فيملأ
الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه، قال: فأتى رجل
من الأنصار أعرابياً فأرخى زمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه فانتزع قباض
الماء فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه فأتى عبد الله بن أبي
رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه فغضب عبد الله بن أبي ثم قال: لا
تنفقوا على من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينفضوا من حوله
-يعني الأعراب- وكانوا يحضرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الطعام؛
فقال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا للطعام فليأكل هو ومن
عنده ثم قال لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة فليخرج الأعز منكم الأذل. قال
زيد: وأنا ردف رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فسمعت عبد الله بن أبي
فأخبرت عمي فانطلق فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأرسل إليه رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فحلف وجحد فصدقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
وكذبني، قال: فجاء عمي إلي فقال: ما أردت إلي أن مقتك رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وكذبك والمسلمون، قال: فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد
فبينا أنا أسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفره قد خفقت برأسي
من الهم إذ أتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعرك أذني وضحك في وجهي
فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال
لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قلت: ما قال لي رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- شيئا غير أنه عرك أذني وضحك في وجهي فقال: أبشر ثم لحقني عمر
فقلت له مثل قولي لأبي بكر فلما أصبحنا قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
سورة المنافقين) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ومما ثبت أيضا في استحباب البشاشة وطلاقة الوجه عند اللقاء ما رواه جابر بن سليم الْهُجَيْمِىُّ -رضي الله عنه-
قال: قلت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ. قَالَ: لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ ... ) رواه أحمد، وصححه الألباني.
قال: قلت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ. قَالَ: لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ ... ) رواه أحمد، وصححه الألباني.
قوله -صلى الله
عليه وسلم-: (مُنْبَسِطٌ) أي: منطلق بالسرور والانشراح، قال حبيب بن ثابت:
"من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه".
قال الإمام الغزالي -رحمه الله-:
"فيه -أي هذا الحديث- رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه، وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس، أو غضبان عليهم، أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الخد حتى يصعر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تطاطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب.
"فيه -أي هذا الحديث- رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه، وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس، أو غضبان عليهم، أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الخد حتى يصعر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تطاطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب.
أما الذي تلقاه
ببشر ويلقاك بعبوس؛ يمُن عليك بعلمه؛ فلا أكثر الله في المسلمين مثله، ولو
كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(الشعراء:215)".
ورغم
كل هذه المعاني والأهمية للابتسامة؛ فإن هناك ناس لا يبتسمون أبدا، ولا
تنفرج أساريرهم وهم يلقون غيرهم من الناس... إنهم شريرون أو في نفوسهم مرض،
وينابيع الخير مغلقة في نفوسهم وعليها الأقفال!!
والبعض يظن أن في التبسم إنزال من مكانته، ونقص من هيبته أمام الآخرين، إن أمثال هؤلاء المرضى واهمون أشد الوهم بذلك؛ ينفرون أكثر مما هم يقربون، وخسارتهم أكبر من ربحهم، واسمع لهذا الحديث الشريف؛ فعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال:
(مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي) متفق عليه.
والبعض يظن أن في التبسم إنزال من مكانته، ونقص من هيبته أمام الآخرين، إن أمثال هؤلاء المرضى واهمون أشد الوهم بذلك؛ ينفرون أكثر مما هم يقربون، وخسارتهم أكبر من ربحهم، واسمع لهذا الحديث الشريف؛ فعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال:
(مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي) متفق عليه.
والداعية عليه أن يتعود طلاقة الوجه ولو أن يدرِّب نفسه على ذلك، وأن يعوِّد نفسه الابتسام كائناً ما كانت ظروفه ضاغطة أليمة.
إرسال تعليق