( إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه ) ، أي صعدوا إليه بمعنى أنهم يقفون عند قوله : مأخوذ ، من أسند إلى الجبل إذا صعد فيه ، وفيه لطف هنا ; لأنه جبل علم بنص قوله - صلى الله عليه وسلم - " أعلم أمتي بالحلال ، والحرام معاذ بن جبل " ، ( وصدروا عن قوله ) ، ولقاسم بن أصبغ من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس : فإذا اختلفوا في شيء فقال قولا ، انتهوا إلى قوله .
( فسألت عنه ، فقيل : هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد هجرت ، فوجدته قد سبقني بالتهجير ) ، أي التبكير إلى كل صلاة ، لحديث : " لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه " ، ولم يرد الخروج في الهاجرة ، قاله الهروي ، قال : وهي لغة حجازية .
( ووجدته يصلي ، قال : فانتظرته حتى قضى صلاته ) ، أي أتمها ، ( ثم جئته من قبل ) : جهة ( وجهه ، فسلمت عليه ، ثم قلت : والله إني لأحبك لله ) لا [ ص: 554 ] لغرض ( فقال : آلله ) بمد الهمزة ، والخفض ، ( فقلت : آلله ، قال ) أبو إدريس ، ( فقال معاذ ) ثانيا : ( آلله ، فقلت : آلله ، قال ) أبو إدريس : ( فأخذ ) معاذ ( بحبو ردائي ) - بضم الحاء ، وإسكان الباء - أي بالمحل الذي يحتبى به من الرداء ، فالحبوة : ضم الساقين إلى البطن بثوب ، وفي رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك : فأخذ بحبوتي ، لم يقل : ردائي ، ( فجبذني ) ، تقديم الباء لغة صحيحة بمعنى : جذبني بتقديم الذال ، وليست مقلوبة كما زعم ، وقد أنكره ابن السراج ، فقال : ليس أحدهما مأخوذا من الآخر ; لأن كل واحد متصرف في نفسه ، أي جرني وسحبني .
( وقال : أبشر ) ، بهمزة قطع مفتوحة ، أبشر بالجنة ، ( فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تبارك وتعالى : وجبت ) ، وفي رواية ابن أبي شيبة عن عطاء بن مسلم : حقت ( محبتي للمتحابين ) ، بلفظ الجمع هنا ، وفيما بعده ( في ، والمتجالسين في ) ، أي يتجالسون في محبتي بذكري ، وكان الجنيد مشغولا في خلوته ، فإذا جاء إخوانه خرج وقعد معهم ، ويقول : لو أعلم شيئا أفضل من مجالستكم ما خرجت إليكم ، وذلك أن لمجالسة الخواص أثرا في صفاء الحضور ، ونشر العلوم ما ليس لغيرهم .
( والمتباذلين في ) ، قال الباجي : الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه ، وغير ذلك مما أمروا به ، وقال غيره : أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه ، وماله في مهماته في جميع حالاته في الله كما فعل الصديق ببذل نفسه ليلة الغار ، وبذل ماله .
( والمتزاورين في ) ، لا لغرض دنيوي ، ولا أخروي .
زاد الطبراني في روايته : والمتصادقين في ، وذلك لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه ، فتعلقت بتوحيده فألف بينهم بروحه ، وروح الجلال أعظم شأنا من أن يوصف ، فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال كادت تطير في أماكنها شوقا إليه ، فهم محبوسون بهذا الهيكل ، فصاروا في اللقاء يهش بعضهم لبعض ائتلافا ، وتلذذا ، وشوقا لمحبوبهم الأعظم ، فمن ثم وجب لهم الحب ففازوا بكمال القرب ، وهذا الحديث صحيح ، قال الحاكم على شرط الشيخين .
وقال ابن عبد البر : هذا إسناد صحيح ، وفيه لقاء أبي إدريس لمعاذ ، وأنكرته طائفة لقول الزهري عن أبي إدريس : أدركت عبادة بن الصامت ، وفلانا ، وفلانا وفاتني معاذ بن جبل ، ولذا قال قوم وهم مالك ، فأسقط من إسناده أبا مسلم الخراساني ، وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ ، وقال آخرون : غلط أبو حازم في قوله عن أبي إدريس عن معاذ ، إنما هو عن عبادة بن [ ص: 555 ] الصامت ، وهذا كله تخرص ، وظن لا يغني من الحق شيئا ، فقد رواه جماعة عن أبي حازم كرواية مالك سواء منهم ابن أبي حازم ، وجاء عن أبي إدريس من وجوه شتى غير أبي حازم منهم : الوليد بن عبد الرحمن ، وعطاء الخراساني ، كلاهما عند قاسم بن أصبغ بإسناد صحيح بنحو حديث الموطأ ، وشهر بن حوشب : حدثني عائذ الله بن عبيد الله : أنه سمع معاذ بن جبل يقول : إن الذين يتحابون من جلال الله في ظل عرشه ، فقد ثبت أن أبا إدريس لقي معاذا ، وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ، ولا على أبي حازم ، فيحمل قول ابن شهاب عنه : فاتني معاذ ، على فوات لزوم وطول مجالسته ، أو فاتني في حديث كذا ، أو معنى كذا ، وليس سماعه منه بمنكر ، فإنه ولد يوم حنين ، ومات معاذ بالشام سنة ثمان عشرة ، وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ، ولا يقدح في ذلك رواية من رواه عنه عن عبادة ، لجواز أن عبادة ومعاذا وغيرهما سمعوا ذلك منه ، انتهى ، ملخصا .
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.